2021/01/02

البيئة الثقافية الاجتماعية وتأثيرها في نمو الطفل وتطوره

البيئة الثقافية الاجتماعية وتأثيرها في نمو الطفل وتطوره
إن عملية التثقيف للطفل تعتبر عملية تربوية تسعى إلى توجيه الفرد والإشراف على سلوكه وتلقينه لغة الجماعة التي ينتمي إليها ، وبالتالي هي عملية تعود الإنسان أو تصقله ضمن العادات والتقاليد والأعراف وسنن الحياة المتبعة استجابة للمؤثرات الخارجية ، وتطبعه بها بما يناسب مجتمعه وتراثه الذي ينتمي إليه .
إن النمو الاجتماعي يتطلب استجابات واضحة بواسطة حافز اجتماعي يكون فيه الفرد عنصرا متمما للشخص الآخر. فحين ينمو الطفل وينضج تزداد قدراته على التمييز بين المصادر الحافزة الاجتماعية وغير الاجتماعية ، وتزداد استجابات الطفل المختلفة بازدياد نموه الفيسلوجي أو الجسماني ، وهذه المشاركة الجديدة بين الاستجابات ونماذجها وبين الحافز الاجتماعي هي التي تشكل النمو الاجتماعي المبكر عند الطفل.
يختلف التفاعل الاجتماعي بمعناه العام عن التفاعل العائلي في أن هذا النوع الأخير من العلاقات الاجتماعية، يمتاز بخصائص معينة تقوم على أسس من الود والإخاء والحرية والصراحة مع الاستمرار والدوام.
ويهتم علماء الاجتماع بموضوع الذات باعتبارها أحد الأعمدة الأساسية ، والذات تعني التكامل النفسي والاجتماعي للسلوك عند الكائن الإنساني الذي تعبر عنه عادات الفعل والشعور والاتجاهات والآراء ، فكما تشمل الذات على القيم تشمل أيضا على كل نواحي السلوك ، ويمكن الجانب الاجتماعي الهام للذات في إن تنمو في المواقف الاجتماعية ، وتعبر عن نفسها من خلال التفاعل مع الآخرين .
وان مكونات الذات الاجتماعية تتأثر بعاملي الوراثة والبيئة معا ولكن بدرجات متفاوتة ، و أن أثر الوراثة يكون أكثر وضوحا في النواحي الجسمية كطول القامة ولون البشرة وكذلك النواحي العقلية الثابتة نسبيا مثل كمية الذكاء والاستعدادات العقلية المعروفة ، والتكوين المزاجي للشخص وقوة طاقته الغريزية تعتمد كثيرا على تكوينه الطبيعي الوراثي ، أما أثر البيئة فيظهر بوضوح في التكوين الخلقي والصفات النفسية والدوافع التي يكتسبها الفرد بالتعلم والخبرة ، وما يحصله من ضروب المعرفة والمهارات العملية وأنواع الثقافة .
ولبيئة الأسرة تأثير كبير في نمو الطفل الثقافي والاجتماعي حيث إنَّ الأسرة هي المؤسسة الأولى والأساسية من بين المؤسسات الاجتماعية المتعددة المسؤولة عن إعداد الطفل للدخول في الحياة الاجتماعية، ليكون عنصراً صالحاً فعّالاً في إدامتها على أساس الصلاح والخير والبناء الفعّال. والأسرة نقطة البدء التي تزاول إنشاء وتنشئة العنصر الإنساني، فهي نقطة البدء المؤثرة في كلِّ مراحل الحياة إيجابا و سلبا.
فالعلاقات الأُسرية لها دورٌ كبير في توثيق بناء الأسرة وتقوية التماسك بين أعضائها ولها تأثيراتها على نمو الطفل وتنشئته، وإيصاله إلى مرحلة التكامل والاستقلال؛ وذلك باعتبار أنّ الأجواء الفكرية والنفسية والعاطفية التي تخلقها الأسرة للطفل تمنحه القدرة على التكيّف الجدّي مع نفسه ومع أسرته ومع مجتمعه.
ولا تتم تلك التنشئة إلا عن طريق التفاعل الدائم مع البيئة الاجتماعية التي يتواجد فيها؛ ألا وهي الأسرة التي تحدد له أهم المواقف الاجتماعية التي يقابلها إبان سنوات طفولته، ومدى تفاعله مع هذه المواقف ومعايير توافقه فيها.
وتترتب علاقة الطفل في داخل الأسرة على عوامل كثيرة، من أهمها: الحاجات البيولوجية في المراحل الأولى من حياته، وكلما تقدم في السن ظهرت أهمية حاجات أخرى مرتبطة بهذه الحاجات البيولوجية مثل: الاعتماد على النفس، وامتلاكه لطريقة التعامل مع الآخرين.
إن الطفل في هذا الجو العائلي يتعلم كيف يعيش، وفيه ينمو، وتتكون شخصيته وعاداته، واتجاهاته، وميوله. ولكي ينمو الطفل نموا صحيحا يجب أن تتوفر في هذا الجو الأمور الآتية:
1.    أن يشعر الطفل انه مرغوب فيه، محبوب، وتحقيق هذه الحاجات النفسية عن طريق الوالدين والإخوة.
2.    تعتبر الأسرة المسرح الأول الذي ينمي فيه الطفل قدراته. ويكون ذلك عن طريق اللعب .
والطفل في السنوات الأولى يميل إلى إن نشعره بذاتيته، وبأنه فرد يستطيع إن يقوم بأعمال، ولذلك نواه كثيرا ما يلفت نظر من حوله ليشاهدوا ما يقوم به من أعمال.
3.    يستطيع الطفل في محيط الأسرة إن يتعلم كيف لا يكون أناني ، بمعنى أنه يتعلم كيف يحترم حقوق الغير  وكيف يتلاءم مع غيره من أفراد الأسرة ، من الوالدين وإخوة وأقارب .
4.    يتعلم الطفل في الأسرة المبادئ الأولى التي يسير عليها في التعامل مع الغير ويكون ذلك عن طريق ملاحظة لسلوكهم واستجاباتهم في المواقف المختلفة.
وتعد المدرسة هي البيئة الثانية التي يواصل الطفل فيها نموه وإعداده للحياة المستقبلية ،والتي تتعهد القالب الذي صيغت فيه شخصية الطفل بالتهذيب والتعديل بما تهيئه له من نواحي النشاط لمرحلة التي هو فيها ، ويمكن اعتبار المدرسة مجتمعا مصغرا من حيث إنها تتضمن مجموعة من التنظيمات الاجتماعية والعلاقات الاجتماعية ، والمدرسة كمؤسسة اجتماعية لها أهداف محددة ومعايير وأساليب لحفظ النظام فيها تحقق درجة من الاستقرار والتنظيم تمكنها من قيامها بوظائفها .
وهناك بيئة ثالثة تؤدي دورها ولها تأثيرها الكبير في  عملية نمو الطفل اجتماعيا وثقافيا ، إلا وهي جماعة الرفاق ( جماعة اللعب )  ويتمثل دورها في مساعد الطفل في النمو المتكامل جسميا عن طريق إتاحة فرصة ممارسة النشاط الرياضي ، وعقليا عن طريق ممارسة الهوايات ، واجتماعيا عن طريق أوجه النشاط الاجتماعي وتكوين الصداقات . وتنمية اتجاهات نفسية جديدة نحو الكثير من موضوعات البيئة الاجتماعية ، وتتولى متابعة التغيرات والتجديدات والمستحدثات وآخر التيارات والاتجاهات الأدبية والفنية والثقافية ، مما يتيح لأعضائها فرصا لتوسيع آفاقهم الاجتماعية وإنماء خبراتهم في جو بعيد عن سيطرة الكبار والراشدين .
ونأخذ بعين الاعتبار تعرض الطفل للتأثيرات السلبية مما يتلقاه من عادت لبيئات ثقافية متخلفة حضاريا وذلك من خلال تطفل هذه الحضارات ودخولها القصري لحياة الطفل العامة  ، فالتخلف الحضاري يولد ظروفا غير صالحة لتطوير الأداء ، وتخلف الأداء يكرس التخلف الحضاري. فإن الطفل الذي ينشأ في بيئة لا تستجيب له ، ولا تقدم له ما يكفي من المعلومات، فإن نموه العقلي والفكري يكون في أغلب الاحتمالات ضعيفا، فالطفل لا يستطيع التعرف على الأماكن والأشياء والناس حتى يتعامل معها. وكلما كانت البيئة الطبيعية أكثر استجابة له، كلما ازدادت خبرته بها. وكلما كانت البيئة الاجتماعية أكثر استجابة له كلما كان الطفل أكثر قدرة على فهم تصرفات الناس وأفكارهم ومشاعرهم.
و تتباين البيئات في مدى تعقيد التنبيهات التي تقدمها للطفل وتنوعها، وعندما تقدم البيئة للطفل تنبيهات مناسبة في تعقيدها وتنوعها ، فإنه يستلم تلك التنبيهات وينظفها.
وبما أن المجتمعات البشرية والمناطق الجغرافية تختلف فيما بينها من حيث مدى الإثارة التنبيهية التي تقدمها للطفل خلال نومه ، فإنها تتباين في مدى إقفرارها أو  ثرائها ، ونرى أن البيئات المقفرة تتوزع عشوائيا في الثقافات المختلفة بل تنتظم ضمن ثلاث محاور أو أبعاد رئيسية هي:
1-   التخلف الحضاري - التقدم الحضاري:
نستطيع القول أن المجتمعات التي حظيت بالتقدم  الحضاري تقدم بيئة أكثر ثراء، وعلى العكس كلما ازداد التخلف الحضاري كانت البيئة المقدمة للأطفال أكثر اقفرارا.
2-   المستوى الاقتصادي والاجتماعي للعائلة ضمن الإطار الثقافي العام:    
أن المستوى الاقتصادي والاجتماعي الفقير يقدم بيئة مقفرة، على العكس من المستوى الاقتصادي المرفه. ولابد من الاستدراك بأن العوامل التي تقع على الحدود بين الطبقات الاجتماعية، تقدم بيئة أثرى نوعا ما من البيئات التي تقدمها العائلات الأدنى أو حتى الأعلى منها ولذلك علاقة وثيقة بمسألة التسلق الطبقي.
3-   البادية – والمدينة:
تقدم المدينة بتنوع مؤسساتها كالمتاحف والمنتهزات ، وحدائق الحيوان، والمعارض والمكتبات، ودور السينما، والمسارح... ) بيئة أكثر ثراء من البادية. وإذا   رسمنا خارطة المؤسسات التربوية والخيرية ، فعلينا إن لا نكتفي بدراسة توزيع المدارس ، بل كافة المؤسسات التي تسهم في التطوير الثقافي للطفل حتى المؤسسات التي تبيع ألعاب الأطفال.
ولابد لنا من الإشارة أيضا إلى إن هذه الأبعاد ليست أبعادا منعزلة يؤثر كل منها بمعزل عن البعدين الآخرين . إذ يتضاعف اقفرار البيئة أو ثراؤها بوقوعها  في مكان معين، على كل من الأبعاد الثلاثة أنفة الذكر.
فعائلة فقيرة في بادية بلد متخلف تقدم بيئة مدقعة مقفرة على عكس من عائلة ثرية في مدينة في بلد متقدم .
4. الحرمان الثقافي والنمو اللغوي:
الأطفال الذين نشأوا في مؤسسات الأيتام والخيريات وما يشابهها ، أن هؤلاء الأطفال غالبا ما يعانون من تأخر شديد في النمو اللغوي سواء في حجم الذخيرة  اللفظية أو في مدى تعقيد  الجمل التي يستعملونها أو يفهمونها أو في مدى قدرتهم على التجريد  واستيعابه
المـــــــــــــــــــــراجـــــــــع:
1.    أوزي ، احمد ( 1988 )، الطفل والمجتمع ، الطبعة الأولى ، مطبعة النجاح الجديدة ، الدار
     البيضاء – المغرب .
2.    مدانات ، أوجيني ( 2002 ) ، سيكولوجية الطفل ، الطبعة الأولى ، المجدلاوي للنشر والتوزيع، عمان ـ الاردن .
3.    عويضة ، كامل ( 1996 ) ، سيكولوجية الطفولة ، الطبعة الأولى ، دار الكتب العلمية ، بيروت _ لبنان .
4.    إبراهيم ، يونس ، حافظ ؛ محمد ، هاني ، وحيد ( 2004 ) ، ثقافة الطفل ،  الطبعة الأولى ، دار الفكر للنشر والتوزيع ، عمان -  الأردن .
5.    مروان ، نجم الدين ( 2005 ) ، النمو اللغوي وتطوره في مراحل الطفولة المبكرة ، الطبعة الأولى ، مكتبة الطلاح للنشر والتوزيع ، الكويت .